صدر عن وكالة كلية الآداب لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ـ جامعة بنها نشرة الثقافة النفسية العدد رقم والتي تناولت موضوع رسم الأطفال بقلم الأستاذ الدكتور عادل كمال خضر وفيما يلي عرض لنص الموضوع 14
اهتم المتخصصون في مجال علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي برسوم الأطفال ، وتساءلوا عما يقوم الأطفال برسمه من موضوعات ، وكيفيتها ، ولما هذه الموضوعات دون غيرها ؟ وهناك آراء متعددة للباحثين في إجابتهم على هذا السؤال
حيث ترى ماكوفر أن الطفل عادة يرسم ما يعرفه وليس ما يراه ، ويتم الرسم في الغالب من الذاكرة حيث لا ينظر الأطفال إلى الأشياء التي يرغبون في رسمها ولكنهم يعتمدون على صورتهم الذكروية التي كونوها لهذه الأشــياء ، ويبدو أن ظاهرة الشفافية Transparency التي تظهر في رسوم الأطفال تعتمد على رغبة الطفل في التعبير عما يعرفه ، فعن طريق استخدامه للشفوف ، يكشف عما تستره الأشياء ، فهو يرى من خلال السطوح سواء كانت شفافة أو غير شفافة ، فنراه يرسم السمك ظاهرًا من الماء ، وبذور الجوافة أو نواة البلح أو حبات الرمان ظاهرًا في رسمه لهذه الأشكال
ويشير Bell إلى أن معظم الدارسين لفن الطفل يعتقدون أن الطفل يرسم ما يشعر به أكثر مما يراه أو يعرف أنه حقيقي ، فالطفل في رسومه يعبر عن حياته الداخلية من أفكار ومشاعر ورغبات ومخاوف
كذلك يرى هامر Hammer أن الرسم الذي يقوم به المفحوص إنما هو تعبير عن عالمه الداخلي وسماته واتجاهاته وخصائصه السلوكية وقوة أو ضعف شخصيته
أما Paget فيسلم بمبدأين عامين : أولهما : أن الأطفال يرسمون ليس لتصوير الطبيعة ولكن ليخبروا عما يهمهم .. وثانيهما : أن المناظر والموضوعات التي يقومون بتناولها بالرسم هي تفوق مهاراتهم الفنية ولذلك فهم مجبرون على استنباط رموزهم أو إشاراتهم من أجل توضيحها
ويؤكد لوكيه على أن الطفل لا يرسم ما يفكر ولا يزعم أن يراه بالفعل ، بل يرسم العلامة أو الرمز الذي يتدفق تدريجيًا في عقله عن الموضوع ، ومثال ذلك ؛ فإنه إذا طلب من الطفل أن يرسم حقلًا من البطاطس فإنه سوف يرسم مستطيلًا مملوءًا بدوائر صغيرة ، وهذا لا يعني أن الطفل يتجاهل النباتات الخضراء الموجودة فوق سطح التربة ترجيحًا لكفة تصور عقلي للدرنات غير المرئية في التربة ، بل يعني بالأحرى أنه بالنسبة للطفـــل تكون الفكرة الأولى المترابطة بالبطاطس هي الفكرة الملموسة ، أي الفكرة البصرية المعتادة فحسب ، أعني البطاطس بالمطبخ وليس البطاطس النامية كنبات في التربة .. إذن فما يمارسه هو علامة تنقل المقابل الوجداني الذي يربطه شـخصيًا بالبطاطس
وهكذا نرى أن بعض السيكولوجيين يعتقد أن الطفل يرسم ما يراه أو ما يعرفه ، وبينما يرى آخرون أن الطفل يرسم ما يشعر به ، يرى البعض الآخر أن الطفل يرسم ما يهتم به من أشياء ، غير أننا نرى أن الطفل ، أو الشخص القائم بالرسم ، إنما يرسم ما يثير انفعاله ، ذلك أن الطفل يرسم من بين ما يراه ما يعرفه ، ومن بين ما يعرفه ما يهتم به بدرجة أكبر ، ومن بين ما يهتم به ما يعبر عن أحاسيسه ومشاعره ، ومن بين ما يعبر عن أحاسيسه ومشاعره ما ينفعل به بدرجة أكبر ، من هنا نصل إلى أن الشخص القائم بالرسم إنما يرسم ما يثير انفعاله ، ودليلنا على ذلك هو أن الطفل يرى أشكالًا كثيرة ويعرف منها الكثير أيضًا غير أنه لا يرسم كل ما يعرف أو كل ما يرى ، ولكنه يرسم أشكالًا معينة انفعل بها أكثر من غيرها ، مثلًا يرسم تليفزيون أو عربة وذلك تعبيرًا عن حبه لهذه الأشياء ، والرغبة في التمتع بها ، أو يرسم أمًا معها ابنها ؛ كرغبة منه في أن يكون بجوار أمه ..الخ ، وهو في ذلك يقوم برسم تفاصيل معينة داخل كل شكل في حين يحذف تفاصيل أخرى ، ويتفاوت الأطفال في ذلك وفقًا لخبراتهم الانفعالية ومشاعرهم تجاه الأشكال التي يقومون برسمها
وكذلك يتضح من خلال النسب والمنظور واللون أن الرسم إنما هو تعبير انفعالي عن الحياة الداخلية للطفل القائم بالرسم ، فمن حيث النسب نجد المبالغة في حجم بعض أجزاء الشكل على حساب أجزاء أخرى له ، ومن حيث المنظور نجد فروقًا بين الأطفال من حيث رسم الأشكال في أوضاع متباينة وبحركات مختلفة ، وفي أماكن متفرقة على صحيفة الرسم
أستاذ علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي
ووكيل كلية الآداب _ جامعة بنـها